لعبة الباركور، جديدة في القاموس المغربي ولكنها تجتذب مزيدا من الشبان. وتعتبر لعبة شارع وتتجاوز مميزاتها الرياضة والاثارة، وكونها تساهم في مكافحة الادمان على المخدرات، خصوصا في الأحياء الهامشية والفقيرة بضواحي المدن.
"الباركور" اللعبة فرنسية المنشأ، اكتشفها كل من زكرياء عطاوي(21 عاما) وصديقه سعيد محسن (23عاما) من خلال فيلم فرنسي عنوانه «ياماكازي»، فأعجبا بها. وشكلوا مع أصدقاء لهم مجموعة "أكروش توا" في مدينة الدار البيضاء، وتعد الأولى من نوعها في العالم العربي.
وتعتبررياضة الباركور من الرياضات الحديثة التي تجمع بين الجمباز والفنون القتالية. تتميز هذه الرياضة بجماليات خاصة بها وبحركاتها الخطرة التي تحتاج إلى دقة عالية وصفاء ذهن لتنفيذها، فهذه الرياضة لا تسمح بالأخطاء، مما جعلها تصنف ضمن "الرياضات المتطرفة". لكن هذه الصفة لم تمنع رياضة "الباركور" من اجتذاب اهتمام الشباب في المغرب لتصبح ضمن "رياضات الشارع" في البلد.
وتعني كلمة باركور باللغة الفرنسية مسار، وقد اقتبس الفرنسيون تسمية لعبة الباركور من عبارة فرنسية عن مسار المقاتل، وذلك لتشبيه مسار لاعب الباركور بمسار المقاتل.
متنفس جديد للشباب المغربي
مند أن تذوق حلاوة الباركور لم يجد زكرياء بدا من المواظبة على التمارين حتى أنه أخذ في التغيب عن المدرسة دون علم والديه، تغيب أدى به إلى التخلي نهائيا عن الدراسة بعد فترة من الزمن. ليتفرغ نهائيا للممارسة في شوارع العاصمة الرباط. بينما يرى شبان آخرون ان ممارسة هواية لعبة رياضية ما لا ينبغي أن تقود صاحبها إلى التخلي عن دراسته، لأنه سيعرض مستقبله العلمي والمهني للضياع.
وتعرف غالبية المدن المغربية غيابا واضحا للفضاءات الرياضية، غير أن زكرياء يعتبر أن الحقل الرياضي للباركور فضاء شاسع الأطراف لا تحده الحواجز بل إن الأسوار والسطوح والقضبان والأشجار والصخور وغيرها من الحواجز تشكل الفضاء الأمثل لممارسي هذه الرياضة، والتي لا تتطلب معدات خاصة ولا حتى لباسا خاصا بها، فضلاً عن مساعدة شبكة الإنترنت في التعلم. مما جعل هذه الرياضة تنتشر بشكل كبير بين الشباب المغربي، خاصة في الأحياء الفقيرة والهامشية. يقول زكرياء "حياتنا محدودة الآفاق لكن الباركور يسمح لنا بتخطي هذه الحدود لأنه يمكننا من الإبداع والإبداع يعني الحرية، كما أن أي انجاز جديد يشعرك بالمتعة وينسيك حدود الواقع".
الباركور وسيلة لمكافحة إدمان المخدرات
تقوم لعبة الباركورعلى تخطي مجموعة من التحديات والانتقال من مرحلة لأخرى بتخطيط سريع، مما يتطلب فكراخلاقا من ممارسها و إيمانه القوي بقدرته على تخطي أي شيء وأي حاجز كيف ما كان، وأدائه للحركات بطريقة فنية وتفننه في كيفية ربط النقاط بعضها بعضا، مع إضفائه الصبغة الشخصية عليها. لذا يرى سعيد أن لعبة الباركور ليست رياضة فحسب، بل هي فن وفلسفة حياة في آن واحد، فن، لأنها تتطلب جمالية وانسيابا في الحركات، أما الطابع الفلسفي لهذه الرياضة فيتمثل في كونها تعوِد ممارسها على تحمل المواقف الصعبة التي هي جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية.
فبعد فترة من الزمن يصبح المتمرن قادرا على التغلب على المخاوف والآلام بسهولة فكل ما يتم تعلمه خلال الممارسة، يتم تطبيقه في الحياة الواقعية مما يؤثر بشكل ايجابي على شخصية المتمرن ونظرته وتعامله مع التحديات والمشاكل الاجتماعية. يقول سعيد " تتطلب ممارسة الباركور الصبر لتعلمها، لقد أكسبتني هذه اللعبة العزيمة القوية والثقة في النفس. ويشير سعيد إلى أن هذا الفن يبعد الشباب عن الاهتمامات السلبية مثل المخدرات والتدخين، ويساهم أيضا في تعزيز روح العمل الجماعي. ويضيف: "نحن نعيش في أحياء شعبية ... حيث ينتشر الانحراف والإدمان على تعاطي المخدرات بشتى أنواعها، الباركور وسيلتنا للوقاية من الإدمان كما أنه يسمح لنا بخلق عالم خاص بنا بعيدا عن هذا الواقع".
لعبة في مواجهة التقاليد والقانون
كون رياضة الباركور رياضة فتية فإن ممارستها في المناطق الحضرية، مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة، لازالت تتناقض في كثير من الأحيان مع العادات والتقاليد المحافظة للمجتمع المغربي، فبحسب زكرياء كثيرا ما يتعرض هو وأصدقاؤه لمضايقات من طرف المارة يقول "كثيرا ما يتم نعتنا بالقردة كما أننا تعرضنا مرات عديدة لمساءلة رجال الشرطة الذين وجدوا في ممارسة اللعبة في الأماكن العامة إخلالا بالنظام العام، حيث تم اعتقالنا في إحدى المرات لمدة ثلاث ساعات قبل أن يتم الافراج عنا". ويتابع "لقد بدأت نظرة المجتمع إلينا تتغير بعد أن أكتشف عدد من الناس الباركور بعد الاستعانة ببعض ممارسي اللعبة في عدد من الإعلانات والأفلام المغربية":
واذا كانت اللعبة قد فتحت المجال لبعض ممارسيها دخول عالم الفن السابع، فإن هواة باركور ما زالوا يأملون في الحصول على اعتراف رسمي في المغرب، خصوصا بعد أن أ صبحت مجموعة "أكروش توا" عضوا في الجامعة العالمية لرياضة الباركور. يقول سعيد" غياب إطار جامعي للعبة لا يشكل العائق الوحيد أمام تطور هذه الرياضة بالمغرب، بل إن غياب القاعات المناسبة لممارستها يجعل الشباب يمارسونها في الأماكن العشوائية مما يعرضهم دائما لمخاطر شتى".
مريم عدو - الدار البيضاء
مراجعة: منصف السليمي